سورة ص - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (ص)


        


قوله تعالى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ} تدبر أمور العباد بأمرنا، {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} بالعدل، {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} أي بأن تركوا الإيمان بيوم الحساب. وقال الزجاج: بتركهم العمل لذلك اليوم.
وقال عكرمة والسدي: في الآية تقديم وتأخير، تقديره: لهم عذاب شديد يوم الحساب بما نسوا، أي: تركوا القضاء بالعدل.
{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلا} قال ابن عباس: لا لثواب ولا لعقاب. {ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} يعني: أهل مكة هم الذين ظنوا أنهما خلقا لغير شيء، وأنه لا بعث ولا حساب {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ}.
{أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأرْضِ} قال مقاتل: قال كفار قريش للمؤمنين إنا نعطى في الآخرة من الخير ما يعطون، فنزلت هذه الآية {أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} أي المؤمنين كالكفار وقيل: أراد بالمتقين أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أي: لا نجعل ذلك.


{كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ} أي: هذا الكتاب أنزلناه إليك، {مُبَارَكٌ} كثير خيره ونفعه، {لِيَدَّبَّرُوا} أي: ليتدبروا، {آيَاتِه} وليتفكروا فيها، قرأ أبو جعفر {لتدبروا} بتاء واحدة وتخفيف الدال، قال الحسن: تدبر آياته: اتباعه {وَلِيَتَذَكَّرَ} ليتعظ، {أُولُو الألْبَابِ}.
قوله عز وجل: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ}.
قال الكلبي: غزا سليمان أهل دمشق ونصيبين، فأصاب منهم ألف فرس.
وقال مقاتل: ورث من أبيه داود ألف فرس.
وقال عوف عن الحسن: بلغني أنها كانت خيلا أخرجت من البحر لها أجنحة.
قالوا: فصلى سليمان الصلاة الأولى، وقعد على كرسيه وهي تعرض عليه، فعرضت عليه تسعمائة، فتنبه لصلاة العصر فإذا الشمس قد غربت، وفاتته الصلاة، ولم يعلم بذلك فاغتم لذلك هيبة لله، فقال: ردوها عليّ، فردوها عليه، فأقبل يضرب سوقها وأعناقها بالسيف تقربا إلى الله عز وجل، وطلبًا لمرضاته، حيث اشتغل بها عن طاعته، وكان ذلك مباحًا له وإن كان حرامًا علينا، كما أبيح لنا ذبح بهيمة الأنعام، وبقي منها مائة فرس، فما بقي في أيدي الناس اليوم من الخيل يقال من نسل تلك المائة.
قال الحسن: فلما عقر الخيل أبدله الله عز وجل خيرًا منها وأسرع، وهي الريح تجري بأمره كيف يشاء.
وقال إبراهيم التيمي: كانت عشرين فرسًا. وعن عكرمة: كانت عشرين ألف فرس، لها أجنحة.
قال الله تعالى: {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ} و{الصافنات}: هي الخيل القائمة على ثلاث قوائم وأقامت واحدة على طرف الحافر من يد أو رجل، يقال: صفن الفرس يصفن صفونًا: إذا قام على ثلاثة قوائم، وقلب أحد حوافره. وقيل: الصافن في اللغة القائم. وجاء في الحديث: «من سره أن يقوم له الرجال صفونًا فليتبوأ مقعده من النار». أي قيامًا والجياد: الخيار السراع، واحدها جواد.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: يريد الخيل السوابق.


{فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ} أي: آثرت حب الخير، وأراد بالخير الخيل، والعرب تعاقب بين الراء واللام، فتقول: ختلت الرجل وخترته، أي: خدعته، وسميت الخيل خيرًا لأنه معقود بنواصيها الخير، الأجر والمغنم، قال مقاتل: حب الخير يعني: المال، فهي الخيل التي عرضت عليه. {عَنْ ذِكْرِ رَبِّي} يعني: عن الصلاة وهي صلاة العصر {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} أي: توارت الشمس بالحجاب استترت بما يحجبها عن الأبصار، يقال: الحاجب جبل دون قاف، بمسيرة سنة، والشمس تغرب من ورائه.
{رُدُّوهَا عَلَيَّ} أي: ردوا الخيل عليّ، فردوها، {فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأعْنَاقِ} قال أبو عبيدة: طفق يفعل، مثل: ما زال يفعل، والمراد بالمسح: القطع، فجعل يضرب سوقها وأعناقها بالسيف، هذا قول ابن عباس، والحسن، وقتادة، ومقاتل، وأكثر المفسرين وكان ذلك مباحًا له، لأن نبي الله لم يكن يقدم على محرم، ولم يكن يتوب عن ذنب بذنب آخر.
وقال محمد بن إسحاق: لم يعنفه الله على عقر الخيل إذا كان ذلك أسفًا على ما فاته من فريضة ربه عز وجل.
وقال بعضهم: إنه ذبحها ذبحًا وتصدق بلحومها، وكان الذبح على ذلك الوجه مباحًا في شريعته.
وقال قوم: معناه أنه حبسها في سبيل الله، وكوى سوقها وأعناقها بكي الصدقة.
وقال الزهري، وابن كيسان: إنه كان يمسح سوقها وأعناقها بيده، يكشف الغبار عنها حُبًّا لها وشفقة عليها، وهذا قول ضعيف والمشهور هو الأول.
وحكي عن عليّ أنه قال في معنى قوله: {ردوها عليّ} يقول سليمان بأمر الله عز وجل للملائكة الموكلين بالشمس: {ردوها عليّ} يعني: الشمس، فردوها عليه حتى صلى العصر في وقتها، وذلك أنه كان يعرض عليه الخيل لجهاد عدو، حتى توارت بالحجاب.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8